لكل علمٍ معنى وأسطورةٌ مرتبطة به يتناقلها أبناء البلد من جيل لآخر.
لعلم الدنماركيين قصة أخرى، أو قل معجزة حدثت خارج بلدهم الحالي.
يوافق 15 يونيو من كل سنة “يوم العلم”، حيث الساريات، بأحجامها المختلفة تنشر اللون الأحمر والصليب الأبيض في كل مكان.
فيصبح رمزا يجمعهم، داخل وخارج حدود بلدهم الحالي الذي كان يوما يسيطر على مساحات واسعة شمالا.
حيث يؤمن الدنماركيون بأن كل الدول الاسكندنافية والشمالية تبنت الصليب الذي بعلمهم، وإن كان بألوان أخرى.
“فالديمار الثاني” أو “المنصور” (1170-1241)
الملك المنحدر من أبيه الملك، فالديمار الفاتح.
الذي توسع تاجه ليصل إلى منطقة هامبورغ، ودول البلطيق واسكندنافيا، واصل، بعد انتقال التاج إليه من أخيه المتوفى عام 1202، الملك كنود، معارك أبيه الفاتح فالديمار، أو ” فالديمارالعظيم” كما يسمى.
ولأن فالديمار، الذي لا يعرف الهزائم، فقد خيره “البابا”
الذي كانت مهمته أيضا في القرنين الحادي عشر والثاني عشر إرسال حملات صليبية، (إفرنجية)، إلى فلسطين، بعد أن رأى منه انتصاراته في محيطه.
أن يجهز نفسه للمشاركة إما في تلك الحملات، أو بحملات في الشمال ضد “الكفار والوثنيين”.
كانت المسيحية لم تصل بعد إلى الجميع في تلك المناطق، فاختار فالديمار حملته نحو إستونيا، بعد أن سيطر على مساحات واسعة من أرض البروسيين، وفي 15 يونيو/حزيران 1219 تبدأ الأسطورة.
هدية سماوية
ما ترويه الأسطورة، التي يؤمن بها شعب الدنمارك حتى الآن.
أنه وبينما كان فالديمار يخوض حربه في ليندسيا، بالقرب من تالين الحالية في إستونيا، ظهر في السماء بعد أن تلونت باللون الأحمر صليب أبيض في وسطها وهو “دانبرو”
العلم الدنماركي المميز بألوانه وصليبه، كهدية من الرب في الحرب ضد الوثنيين.
بتفاخر يروي الدنماركيون بقصة “راية” هبطت من السماء فصار أقدم علم مستمر حتى يومنا في العالم.
ففي عصور كانت فيها الكنيسة تهيمن على حياة البشر، حكم ملوك الدنمارك، وخصوصا فالديمار، باسم الدين.
فأحاط نفسه برجال الكنيسة، الذين آمنوا أن الراية “هبطت من السماء” فأصبحت رمزا لحكم ملكي.
في التاريخ الدنماركي، المكتوب والمروي، قديماً وحديثاً، وعدا عن أن دول الجوار الشمالية، في أيسلندا والنرويج والسويد وفنلندا.
تبنت “راية الدنماركيين” لاحقا، فإن لهذا العلم رمزيته التي تشير إلى شعب الدنمارك.
وبقوا متمسكين به ولو كانوا قد خسروا حروبا مع جارتهم الجنوبية، ألمانيا لاحقا، لتصير مناطق شمال هامبورغ إلى جنوب جزيرة غوتلاند “ألمانية”، فما يزال “سكان الحدود” في هولستين، يتوارثون رواية العلم ويرفعونه في مناسبات دلالة على أصلهم.
رمزية وطنية
قبل سنوات، في 2012، اعتبر 92 في المائة من دنماركيي اليوم، أنه يمثل “رمزية وطنية بالمعنى الإيجابي”.
ويرفض هؤلاء أن يربط برمزية “قومية متعصبة”.
فهؤلاء في نظرتهم لعلم بلادهم رأوه موحداً ويربطهم جميعاً، عابرا للحدود السياسية والقيمية والثقافية واللغوية.
ما يعنيه هذا الرابط أنك إن ذهبت إلى أقليات دنماركية في كندا وأميركا وإسبانيا ومناطق أقصى الشمال الألماني، وبعض مناطق أقصى جنوب السويد، وجزيرة بورنهولم.
قد تجد معيقات لغويةوثقافية في فكرة الانتماء تأثر على فكرة القومية الدنماركية.
لكن مسألة العلم بلونين، الأحمر والصليب الأبيض، تربط هؤلاء بتاريخ الأجداد.
في زمن تعالي الصيحات القومية المتعصبة، في أوروبا وغيرها، ثمة قلق لدى البعض من أن تساهم الأسطورة في خلق مزيد من التعصب.
وخصوصا في صفوف القوميين المتشددين في حزب يرى قداسة للعلم، كحزب الشعب الدنماركي.
الذي تأسس في التسعينيات باستخدام العلم كرمز وبطريقة عدوانية بوجه المهاجرين، والذي ترأست مؤسسته اليمينية، بيا كيرسغوورد، البرلمان الدنماركي في 2015.
فرفعته في جلسة افتتاحية في البرلمان بحجم ضخم استدعى الكثير من الجدل.
مخاوف
عالمة الأنثروبولوجيا في جامعة آرهوس، ليزيان فليكن،
ذهبت إلى تهدئة مخاوف البعض حول ما يفهم من رمزية العلم، وأنه اليوم لا يشكل قضية دينية وفتوحات، ولا حتى رمزية قومية متعصبة.
هي ترى أن “العلم الدنماركي يرمز لدى الأغلبية إلى إيجابية المشتركات بين سكان الدنمارك وليس لاستبعاد أحد أو تقوية العدوانية”
“فنحن نرى العلم في كل مكان، معلقاً على شجرة الميلاد وفي بيوت الحدائق الصيفية، ويرفع في روض الأطفال ككناية عن وجود احتفال بعيد ميلاد أحدهم، بمن فيهم أطفال من أصول مهاجرة”.
من جهة أخرى، يرى المؤرخ الدنماركي، وصاحب كتاب “دانبرو، تاريخ عن رمزية وطنية ومسيحية”، هانس كريستيان بييرغ.
أن “التحلق حول العلم جعله ينجح في اعتلاء موقعه فوق الخلافات الحزبية والعرقية”.
وهذا المؤرخ ينتقد استخدام العلم كرمز قومي متعصب، كما يفعل حزب الشعب، باعتباره “علم الجميع وليس حزبا سياسيا”.
بالنسبة لعالمة الأنثروبولوجيا، والباحثة في “الرموز القومية”، فليكن.
فإن “فترة ما بعد الحرب (الحرب العالمية الثانية، حيث وقعت الدنمارك تحت الاحتلال النازي من 1940 إلى 1945) كان العلم رمزا قويا.
ومنذ الثمانينيات انتشر بين مشجعي كرة القدم، لكن ليس بطريقة متعصبة كما يفعل المشجعون الإنكليز.
ومن يحضر من خارج الدنمارك سيصاب بتعجب لانتشار العلم بهذه الكثافة، ظنا أنه يرمز إلى تعصب قومي مزعج.
فهو ليس إشارة إلى استعلائية ولا عدوانية، بل إشارة إلى الجمعية التي تشمل الآخرين أيضا.